لازال الوجود الفينيقي في الجزائر يستقطب الاهتمام والدراسة، فلطالما توسعت الرحلات الكنعانية على امتداد حوض المتوسط وأسست المدن حيثما حل أصحابها، تاركة من الشواهد العديدة ما يؤرخ لمدافن الملوك وعلية المجتمع داخل الاهرامات كما هو الشأن في تلة فرندة بولاية تيارت.
الكنعانيون هم من العرب العاربة التي انحدرت منها عاد وثمود وطاسم وجاسم، وأصبحت قبائل بائدة على ما ذكره الطبري ودونه ابن خلدون الحضرمي بوصفهم من العمالقة، ويضم المتحف الوطني بوهران العديد من اللقى والمجموعات الأثرية والشواهد البونيقية التي تدل على امتداد حركتهم
في الغرب الجزائري ،وتعتبر فرندة في ولاية تيارت أحد المناطق الساحرة وهي تضم على تلالها 13 هرما والتي يلقبها السكان بلجدار، وهي أهرامات بنيت قبل الأهرام المصرية وتختلف عنها من حيث الشكل و الحجم، وتقع في جبل الخضر ثلاثة أهرام، وبجبل عراوي عشرة أخرى مصنفة بقاعدة مربعة تتراوح بين 12 و46 مترا وبارتفاع يصل إلى 18 مترا، غير بعيد عن المغارة التي دون فيها ابن خلدون مقدمته، وبنيت تلك الاهرام وفق حسابات النجوم وتيارات الطاقة الفلكية، واعتمد المهندسون في تشييدها على القاعدة الرباعية والقمة الدائرية ليتم اتخاذها كأضرحة جنائزية وفق دهاليز وغرف لم تكتشف إلى الآن، حتى أن هناك قرى بأكملها على امتداد المساحات الهرمية لا زالت طي التراب، وأكبر أضرحة “لجدار” يقع فوق قمة جبل “العراوي” الذي يبلغ ارتفاعه 1283م ، ويتراءى على شكل كتلة من الركام جراء تهاوي بعض المدرجات والجدران التي تنطوي على العديد من الزخارف والرسوم و الكتابات، ولا سيما في الأحواض الستة التي تم نحتها على امتداد لجدار، والتي تبرهن بشكل أثري على عمارة الفينيقين لهذه المنطقة تحديدا في القرن الرابع الميلادي.
لقد تعمد الاحتلال الفرنسي إخفاء الأرشيف الذي يوثق لتاريخ هذه الأهرامات الفينيقية، منذ أن اكتشفها على فترات متباعدة، ابتداء من 1865 ، والذي عمد إلى نقل أغلب العظام واللقى الأثرية من مختلف الأهرامات، ورغم غنى هذه الآثار بالألغاز فإنها لم تحض بالاهتمام من القطاع الوصي بعد الاستقلال ، حتى ّأن هناك من يتعمد التعتيم على عراقة هذه المنطقة وأصالتها التاريخية، باستثناء بعض المبادرات المحتشمة لبعض طلبة الآثار الذين يعملون على تنظيف الأهرامات بشكل علمي وإعمال جهود البحث حولها.
إن قبيلة عاد التي ترجح الدراسات المصرية الحديثة بناءها لأهرامات مصر تبعث خيطا علميا رفيعا لامتداد الكنعانيين لتلك القبائل من العرب العاربة قبل الميلاد، وقيامها بتشييد الأهرام في الجزائر التي يحصيها العلماء بأكثر من 100 هرم، ولعل تلة فرندة باحتوائها على أهرامات لجدار 13 تكون قد تميزت بتأصيل عريق للآثار الجديرة بالبعث و نفض غبار التعتيم والإهمال عن رموزها، في ظل الفضاء الطبيعي الساحر الذي يحتضن عجائب الأهرامات الفينيقية المنسية.