يتوشح الطريق الرابط بين قرية الفرين وبلدية رمل السوق بحزام أخضر تتفاوت أشجاره بين الطول والقصر من السرو والبلوط والصنوبر، إلا أن الحفر المنثورة على امتداد الطريق تحول دون تأمل الطبيعة، وتصرف النظر إلى الفضاء الحدودي المهجور وسكون قرياته الظاهر وسط ضجيج ليلي لا يكاد يرى بين شبكات محكمة للتبادل والتهريب المزدوج بين البلدين.
بلدية رمل السوق بولاية الطارف تجسد بشكل حرفي معاني العزلة وتدهورالمسالك والطرقات، في ظل انعدام مختلف الشبكات والمرافق
العمومية، وهي ظروف ساهمت في تهجير الساكنة، بالإضافة إلى البطالة وغياب متوسطة لتعليم أبناء المنطقة، و غرق الفلاحين في معضلات الإنتاج الفلاحي المصغر مثل انحصار نطاق الكهرباء الريفية ونقص مياه السقي الذي اضطرهم إلى جلب المياه من الينابيع الجبلية والتزود من الأودية والمجاري والآبار المهجورة خارج الرقابة الصحية، و دفعهم إلى خوض حرب التوصيلات الغير شرعية من الشبكة للبساتين، واللجوء لمياه الأودية غير الصحية في ري المنتجات الزراعية لا سيما وأن البلدية تزخر بالعديد من الموارد الغابية والفلاحية.
هذا الواقع المأساوي لم تجد السلطات له من حل جذري سوى بذل الوعود من قبيل إنجاز عشرين مشروع تنموي لتحفيز الساكنة على البقاء، والربط بشبكات التطهير بين منطقتي وادي الحوت ورمل السوق، والعمل على إنجاز خزانين للمياه يتسع أحدهما ل 500 متر مكعب على مستوى منطقة وادي الحوت وخزان آخر بسعة 300 متر مكعب برمل السوق ب تخصيص مبلغ إجمالي ب34 مليون د.ج في إطار الصندوق المشترك للجماعات المحلية، إلا أن ذلك لم يحد من نزيف الهجرة ووقوع شباب رمل السوق في فخ شبكات التهريب أمام أزمة عطش خانقة طيلة أيام السنة، دأب فيها المواطنون على التموين بالتناوب للماء الشروب، إذ لا يتجاوز كل حي نصف ساعة في ظل نقص فادح في الصهاريج المتنقلة وحنفيات تظل بدون ماء لمدة تفوق الشهر، رغم تواجد سدين كبيرين بالقرب من البلدية وهما سد ماكسة وسد مجودة، اللذين يزودان بلديات ولاية الطارف وعنابة بالماء الشروب.
بعض شباب هذا الفضاء الحدودي يجدون متنفسهم المعيشي الوحيد في تهريب الوقود والمواد الغذائية ورؤوس الماشية لصالح بارونات التهريب، من أجل تأمين ثمن صهاريج المياه، ولم تفلح مشاريع احتوائهم في الإقلاع عن مخاطر التهريب، فقد عمدت السلطات المحلية إلى تغطية ملعب جواري بالعشب الاصطناعي والتهيئة الخارجية لملعب بلدي، ولكن الشبكات ظلت تعمل على استغلال الشباب البطال، الذي ينتظر مخططا حقيقيا ينتشل منطقتهم الحدودية من مشاكلها ويمنحهم حلا جذريا يحول بينهم وبين خطر الإنغماس أكثر في مغريات التهريب و التنقل سرا بين البلدين بحثا عن الرغيف وثمن المياه .